الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014

فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين

بسم الله الرحمن الرحيم
 

 
تتعدد الأفكار بتعدد أنفاس الخلائق ، تختلف بعضها و تتفق أخرى و تتكامل بعضها مع بعض تارة و تتناقض أخرى ، منها الخبيث و منها الطيب و منها ما يجمع الاثنين معاً ! ، و لهذا جاءت دعوة الأنبياء لإصلاح هذا الاختلاف الفكري الذي نشب بين الأقوام السالفة و تنظيمه و تعريف الأقوام بالأسس السليمة التي يمكن من خلالها معالجة الفكرة و نقدها .
لم يغفل الدين الإسلامي عن هذا الأمر بطبيعة الحال فهو خاتم الأديان و المتمم لها ، فجاء برسالة متكاملة لتقوم سلوك الفرد و ترتقي بأخلاقه و عقليته ، حتى في دعوة غير المسلمين للدين الإسلامي فهنالك شروط و ضوابط تكون من خلالها الدعوة ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )[1]  ، لذلك نحن المنتسبين للإسلام أولى بهذه الآية من غيرنا و من يدعي تمثيل هذا الدين أولى المسلمين بتطبيق تلك الآية الكريمة !
للأسف الشديد هذه الثقافة القرآنية الأصيلة مفقودة في واقعنا الإسلامي الذي يعاني من انتكاسة و تقهقر في أخلاقيات الحوار و النقد سواء مع مختلف الأديان و التوجهات أو مع مختلف المذاهب و الفرق الإسلامية أو حتى مع أبناء المذهب الواحد ، فأصبحت حواراتنا لا تخلو من التسقيط و التسفيه و السخرية و الإهانة ، بحيث تعتمد حملة الرد أو مناقشة فكر الآخر من خلال طرح متدني وضيع يحاسب نتائج الطرف الآخر بناء على أساساته ومعارفه هو و يغض الطرف عن الأساس الذي بنا عليه الطرف المقابل اعتقاده ! مهلا ! أليس من الممكن أن يكون الأساس الذي بنى عليه الطرف الآخر متينا ؟ و يكون أساسك الموروث عن آباءك هو الهزيل ؟ أليس من الممكن أن الطرف الآخر يملك شيئا من الصواب فيساعده حوارك على تمام هذا الصواب ؟
حتى القرآن الكريم هذا الكتاب الذي لم يبق منه إلا رسمه يؤصل لهذه القاعدة فيقول ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار )[2]  لنلاحظ تقديم الله سبحانه وصف الأصل ( الأساس ) ثم الفرع ( النتيجة ) فإذا كان الأصل ثابت فالفرع في السماء هذه الشجرة التي تؤتي أكلها كل حين ، و إذا كانت الشجرة خبيثة فمصيرها أن تجتث من الأرض و لا يكون لها قرار ! لنلاحظ أن الله سبحانه اكتفى بالحديث اعن اصل الشجرة الخبيثة التي تجتث و لم يتحدث عن فرعها فلا قيمة للفرع دون الأصل ، ولنا أن نتخيل سفاهة منظر الرجل الذي يريد اقتلاع الشجرة فيبدأ بضرب ثمارها و إسقاطها بحجة أنه يريد اقتلاع هذه الشجرة ، ليس لنا أن نصف هذا الرجل إلا بوصف الأبله الذي يصرف وقته على ( لا شيء ) .
سأضع بين أيديكم مثالا من مئات الأمثلة لهذا الرجل الذي ذكرناه في فيما سبق ثم نأتي لنناقش الموضوع بشكل خاص حول منهج التأويل
هذا الرابط لأحد علماء الشيعة يتكلم عن مجموعة من عقائده و لنا أن نشاهد مدى السفه في واضع الفيديو الذي عنونه بعنوان (معمم شيعي يطلق صاروخ ينطح صاروخ !! ) وأرجو أن تعذرني أيها القارئ الكريم لكني أطلب منك قراءة بعض التعليقات التي بلغت أكثر 500 تعليق و تشاهد بنفسك المستوى المتدني في الطرح !
إن ما فعله من رفع هذا الفيديو هو أنه بدأ بمحاسبة النتائج و ترك أساس هذا المعتقد بينما من الواجب على صاحب الفيديو ليكون صادقاً مع نفسه و مع عقيدته و دينه يجب عليه أن يراجع أساس معتقد الشيعة في الخلافة و أدلتهم التاريخية عليها ثم يتطرق للعصمة ثم للكرامات و الغيبيات التي تحلى بها المعصوم وبناء على كل ذلك ينقض هذا المعتقد دون اسفاف و استهزاء !
انتقال العدوى :
وللأسف الشديد عدوى الفوضوية هذه انتقلت عندنا في الشارع الشيعي و أريد هنا أن أضرب مثلاً حول كتاب التأويل وردود الفعل عليه ...
صدرت الطبعة الأولى من كتاب التأويل منهج الإستنباط في الإسلام عام 1998 م وهذا الكتاب الذي يعرض منهج النبي ص وعلي ع والبيت النبوي وينصص على ذلك بالنصوص وتأثر به من قرأه متبنياً أحد جوانبه ، نجد القوم يقفون أمامه موقف الصمت ، فلا هم الذين تبنوه و تركوا منهجهم العقيم المستعار من أهل السنة و الذي لا ينتج إلا ظناً في الغالب ، ولا هم الذين ناقشوا الكتاب مناقشة علمية ليبينوا مواضع الخلل فيه ، بل نراهم في موقف العاجز عن التعبير أمام هذا المنهج  و الذي اختار التجاهل على المواجهة العلمية ! يحاول البعض أن يتعذر لهم بقوله أنهم مشغولون بما هو أهم أقول له و من قال لك يا عزيزي أن ما نطلب منهم ليس من أولوياتهم كعلماء ؟ ورسول الله يقول : إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله [3] ، فأين علمهم ؟
 
علماً أنه حتى يكون الرد على هذا الكتاب رداً علمياً يجب توفر الشروط التالية :
1- قراءة كتاب التأويل كاملاً .
2- مناقشة الكتاب الأول و هو القسم التاريخي الذي تحدث عن القرآن منذ بداية نزوله حتى وصوله إلى أيدينا بهذه الطريقة ، ونشأة مناهج الرأي و غياب منهج التأويل .
3- ثم بعد ذلك مناقشة الكتاب الثاني و هو الذي يؤصل منهج التأويل من التراث الإسلامي ( الكتاب و العترة ) ، وفي إطار اللغة و في إطار المنطق .
4- نقض قواعد التأويل المثبتة من روايات أهل البيت ع .
5- وبناء عليه يتم نقض التطبيقات لهذه القواعد .
لكن ما شاهدناه هو العكس تماماً ، مجرد سخرية و استهزاء و محاولة للتصيد حول النتائج ومن خلال وضع قصاصات من هنا و هناك لبتر الحقائق و التدليس على هذا المنهج دون التطرق لا إلى التاريخ و لا التأصيل الموجود في الكتاب للمنهج و لا القواعد ، نهائياً !
لنقل هؤلاء صبية مراهقين فكريا شغوفين بثقافة التحدي الكروية القائمة على ( الضغاط ) و الاستهزاء و لننظر للمعممين الذين - من المفترض - يمثلون واجهة هذا التوجه ورواده ....
هنالك مجموعة من الخطباء المنبريين تطرقوا لكتاب التأويل و لعل أولهم و أفضلهم - باعتبار أنه أحسن السيء فجميع ردودهم لا ترقى إلى مستوى الرد العلمي - هو السيد منير الخباز وهو ممن اضطر أن يتبنى جزء كبير من منهج التأويل تحت بند المعرفة التفسيرية القسم الثالث ( تفسير القرآن بالقرآن ) و جاء بمثال الشيخ المكتوب في الموقع و العجيب أنه قرأ الرواية مع تذييل الشيخ بعرض كل جزء منها على القرآن على طريقة نسخ و لصق ! ثم أخذ يتخبط يمينا و شمالاً في رده و اختصاراً أحيلكم لرابط الرد عليه :
و تحدث بعده بعض خطباء الجُمع و كان ردهم عبارة عن تسفيه ورمي بالضلال ولم يتطرق أحد لمناقشة المنهج !
الآخر هو الشيخ مرتضى فرج الذي تطرق للمنهج في أحد محاضراته و كانت أهم النقاط التي تناولها هي أن الكتاب فيه تبيان كل شيء بمعنى كل شيء يتعلق بالهداية لأن الله يقول فيه هدى المتقين ، و هنا نسأل الشيخ مرتضى فرج هل يرد المجمل للمفصل أو يرد المفصل للمجمل ؟
الآية (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين )[4] آية مجملة و الآية (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين )[5] آية مفصلة وحسب هذه الآية فإن القرآن
1- تبيان لكل شيء
2- هدى
3- رحمة
4- بشرى للمسلمين
فبأي دليل فسر الشيخ مرتضى فرج أن التبيان لكل شيء هو فقط في ما يتعلق بالهدى ؟ و بأي آلية وردت عن أهل البيت ع قام برد المفصل إلى المجمل ؟ أي برد المحكم للمتشابه و ليس العكس ؟
و يبدو أن الشيخ لم يلتفت إلى روايات أهل البيت التي تبين أن في القرآن كل شيء و نذكر له هنا أكثر من 40 رواية تبين أن القرآن مفصل و تبين معنى الآية ( تبيانا لكل شيء ) الذي فسرها الشيخ برأيه دون الرجوع للروايات .
ثم تكلم بأمر كشف عدم اطلاعه على الكتاب و عدم قراءته له مع انه استلم نسخة من الكتاب كما استلمها غيره من معممي الكويت وهو موضوع إذا تعطلت السيارة هل نرجع للقرآن الكريم لإصلاحها ، و طرح تحدي بأن نستخرج نظرية فيزيائية تبهر الغرب من القرآن الكريم !
و أقول له يا شيخ مرتضى هلا قرأت قبل أن تنتقد ؟
ألم تقرأ في كتاب التأويل فصلاً كاملاً حول استقراء الآيات الكونية و تفسيرها بعضها ببعض ؟ ألم تقرأ مثالاً علمياً حول ظاهرة الندى و التكثف ؟ و كيف استقرأ آية كونية بأخرى ؟ هل تعلم يا شيخ أن ما يقوم به الميكانيكي ما هو إلى رد آية كونية إلى أخرى تمكن من خلالها بالوصول إلى نتيجة محكمة ؟ هل تعلم يا شيخ أن الارتقاء بالعلوم الكونية وظهورك على شاشات الهواتف و الحواسيب ما هو إلى عملية استقراء لآيات كونية و أن العلوم ارتقت إلى اليقين بذلك في حين أنكم ما زلتم تراوحون بمكانكم  في دوامة الظن و الشك ؟
شيخنا العزيز لم تقفز من الأصول و الأساس إلى النتائج التي لا تؤمن بأصولها أصلاً أليس من المفروض أن تجتث الشجرة من جذورها فلم أصبحت تضرب الثمار لتسقط الشجرة ؟
أجيبك يا شيخ بأن نثبت العرش ثم ننقش ، اقرأ الكتاب و افهم المنهج و انقضه بالطريقة العلمية التي شرحتها أعلاه ثم تعال لنتناقش في الفروع و البطون ....
إليك يا شيخ هذا المقال لتفهم ما القصد من استقراء الآيات الكونية
سمعنا عذر لطالما تكرر سواء من الخطباء أنفسهم أو من أتباعهم أن هذا الطرح الذي طرحه الشيخ طرح منبري لم يتطرق به للتفاصيل بل اقتصر على بيان رؤوس الأقلام ، أقول و هذا عذر أقبح من الذنب نفسه فكيف تسمح أيها الخطيب أن ينحدر المنبر الحسيني إلى هذا المستوى ! ما هذا العذر السخيف ؟ إذا لم يكن باستطاعتك الرقي بمستمعيك ورواد مجلسك بالرقي بمحاضراتك فلا تعتلي المنبر و اتركه لأهله !
 
في الختام اوجه خطابي لجميع علماء الشيعة انتم بين خيارين اما ان تعلنوا تبنيكم لهذا المنهج الاستنطاقي المروي عن الامام علي(ع) او تتفضلوا بالرد عليه ردا علميا وتفندوه، وتنفى صلته بالامام علي (ع)، من باب: (هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين)!
 
فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين !!


[1] سورة النحل آية 125
[2] سورة ابراهيم آية 24 - 26
[3] الكافي ج1 ص54
[4] سورة البقرة آية 2
[5] سورة النحل آية 89
 

السبت، 16 أغسطس 2014

الدين الإسلامي ثورة العقول - الحلقة الرابعة


التأويل منطق العقل السليم !
 
 
 
إن منهج التأويل ، منهج استنطاق آيات الكتاب ما هو إلا آلية استبدال لمنطلقات الإنسان الفكرية و تحويلها من الهوى إلى الهدى ، فالعقل جُبل ليعمل وفق مبادئ التأويل إلا أنه يرجع متشابه الموقف إلى محكم الذاكرة عبر الأشباه و النظائر ليتمثل في كل موقف لفكرة من الأفكار الراسخة في ذاكرته ، فجرب مثلاً أن تعرض أحد مشاكلك سواء الإجتماعية أو مشاكل العمل على شخصين ، شخص وقع في المشكلة و آخر لم يواجهها في حياته ، مثال :

أنت تريد شراء سيارة من شركة معينة ، وذهبت لتسأل شخص قام بتجربة هذه السيارة ، ستلاحظ أنه بمجرد سؤالك له عن هذه السيارة (المتشابه) فوراً سيقوده عقله إلى النظير (المحكم) في ذاكرته وهي تجربته الشخصية مع السيارة ، فيبدأ بسرد السلبيات و الإيجبيات و قد يفتح إلى جانب ملف تجربته النظيرة ملفاً آخر لشخص قد قام هو بسؤاله قبل أن يشتري السيارة فإما أن يمثل هذا النظير الآخر وجهاً مغايراً لتجربة الشخص مثلاً ( الأول يعبر عن ارتياحه من قيادة هذه السيارة لأنها كبيرة في الحجم و واسعة من الداخل و مريحة ) و الآخر ( يشكو من السبب ذاته لأن الشارع الذي يسكن فيه ضيق و لا ستطيع أن يركن السيارة بسهولة ) فهي من وجه ممتازة ومن وجه آخر مزعجة ! فعندما يكون الشخص الذي تسأله حكيماً سيسألك عن احتياجاتك و ما تحبه ليعرف الوجه المناسب للفتوى و مآلها قبل أن يفتيك في الأمر ليقول ( إذا كنت تحب السيارة الواسعة و الكبيرة فهي ممتازة بالنسبة لك و إذا كنت لا ترتاح لقيادة سيارة بهذا الحجم والمنطقة التي تسكن بها شوارعها ضيقة سيكون اختيارها اختياراً سيئاً و إذا كنت كثير السفر فـ .... إلخ ) أو أن تصادق تجربة الشخص الآخر على الوجه ذاته .

وهذا ما يسمى في علم النفس بالذكاء المتبلر أي المبني على التجارب السابقة والخبرات و إمكانية الربط بينها لاستخلاص النتائج فتقود نظائر هذه التجربة إلى ما هو محكم بالنسبة لك لتبني عليه حكماً إما بالقبول أو الرفض أما لو سألت شخص لم يجرب هذه السيارة نهائياً و لا يعرف عنه أي معلومة عندها سيجيبك بـ( لا أعلم )  أو سيأخذ وقتاً لجمع المعلومات و الربط بينها ليُحكم أمره و يَحكم بعدها .

التأويل هي العملية ذاتها التي ذكرناها في النموذج السابق إلا أنه من سيتم سؤاله هذه المرة عوضاً عن الذاكرة و المكتسبات هو الله جل وعلا من خلال استنطاق آياته سواء آيات الكتاب أو آيات الكون  ! فالكون كالقرآن يتكون من آيات منها ما هو محكم و منها ما هو متشابه بدليل قوله ( سنريهم آياتنا في الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) وبرد هذه الآية إلى الآية النظيرة ( منه آيات محكمات ... و أخر متشابهات ) ! حيث أن المتشابه هو ما اشتبه على جاهله كما وضح أهل البيت ع ، فيتم استقراء آيات الكتاب أو الكون أو كليهما معاً برد أحدهم إلى الآخر استقراءاً تاماً من خلال تتبع النظائر القرآنية لتنطق بالحق على السائل ( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ) .

ولو قارنا بين آلية عمل العقل في اتخاذ القرار و آلية التأويل ستجد أن كلاهما يعمل في اتخاذ القرار وفق إجراءات أربعة و هي ما يصطلح عليها بالدائرة التأويلية أو الدائرة الناسخة ، كما يمكننا ملاحظة أن أي خلل في أي إجراء من هذه الإجراءات الأربعة يمكن أن يؤدي غالباً إلى خلل في الحكم و اتخاذ القرار ! :

1- إجراء السؤال : و السؤال هو مفتاح العلم كما يروى عن أهل البيت ع ، فيقوم الباحث بتحديد الأمر المتشابه الذي يجهله و يريد السؤال عنه .

2- إجراء التتبع : حيث يقوم الباحث بتتبع الأشباه و النظائر التي تكون الوجوه  .

3- إجراء الإستنطاق : و هو الربط بين هذه الأشباه و النظائر من المعلومات لتكوين وبلورة الفكرة و القرار الناتج عن الوجوه المتظاهرة من خلال عملية التتبع فيحكم التشابه بلحاظ معين يناسب الموضوع المبحوث .

4- إجراء الترجمة ( الفتوى ) : وفيها يصدر الحكم النهائي للأمر المبحوث .

فإذا كان الإجراء الرابع يسد سؤل السائل يكتفي به و يتوقف و إذا تكون عنده سؤال جديد يعود المعنى المبحوث للتشابه مرة أخرى لينسخ التشابه و يستوضح المعنى ، وهكذا تدور الدائرة التأويلية ليحيط الباحث أكثر في المسألة فيعرف كيفية اتخاذ القرار و الحكم ، إذا فهي عبارة عن عبور إلى باطن المسألة و تدبر مآلها ( تأويلها ) .


لذلك ذم الله الظاهريين في القرآن بقوله (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة هم غافلون ) و بردها إلى آية نظيرة ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما ياتهم تاويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) و بهذا اللحاظ يمكن أن تحمل كلمة الظالمين على الوجه (ولكن كانوا انفسهم يظلمون ) فالحكم دون معرفة و إحاطة هي ظلم للنفس وللغير لأنه لا دراية فيه و لا معرفة فغالباً ما يتخذ القرار الخطأ كالأقوام الذين كذبوا الرسل من قبل ! .

وبعد معرفتنا بهذه الإجراءات لنحاول تطبيقها

1 ) على مستوى العلوم الكونية :

على سبيل المثال أضع معادلاً بسيطة جداً و منطقية

إذا كانت جـ = س و جـ = ص  إذا حتماً س = ص ، إذن أن التناظر في ( جـ ) يحكم بوجود علاقة تماثل !

إذا تناولنا مثالاً أكثر تعقيداً لنطبق عليه تلك الإجراءات

نفترض 3 معادلات رياضية قائمة على العلاقات التالية :

1) س - 2ص = 0

2) س + 1 = 5

3 ) ص = 6 جـ

ما هي قيمة جـ ؟

الجواب :

لنفكر في البداية في المسألة و نكتبها بصيغة جمل لتبسيط الأمر :

 

بناء على المعادلة الأخيرة  بأن ص تساوي 6 أضعاف جـ نستنتج أننا نستطيع معرفة قيمة جـ من خلال معرفة قيمة ص اذ إن قيمة جـ ستكون هي قيمة ص مضروبة في 6 كما يمكننا من خلال المعادلة الأولى أن نفهم بأن هنالك علاقة بين س و ص حيث أن س عندما نطرح منه ضعفي ص سيكون الناتج صفراً و الناتج يكون صفراً إذا طرحنا العدد من نفسه ، إذا نفهم أن س تساوي ضعفي ص لذلك يمكننا أن نعرف قيمة جـ من خلال قيمة ص و يمكننا أن نعرف قيمة ص من خلال قيمة س كما وضحنا في المثال السابق

 

نبدأ بالإجراءات الأربعة لنحل هذه المسألة

1 ) إجراء التساؤل : نبدأ بالسؤال الأول ما هو قيمة ص ؟ ( لكي أستطيع معرفة قيمة جـ )

2) إجراء التتبع : للمعادلة ( س - 2ص = 0 ) نظير آخر هو ( س + 1 = 5 )

3 ) إجراء الإستنطاق : اذا كانت (س - 2ص = 0) اذاً نفهم من السياق أن ( س = 2ص ) و بإعادة ترتيب المعادلة الثانية المعبرة عن سؤال ( ما هو العدد الذي اذا جمعناه مع الواحد نتج العدد  سنستنتج أن س =4   من السياق أيضاً .

4) اذاً مما سبق نستنتج أن 2ص = 4  مما يعني أن 4 تمثل ضعف س و هذا يعني أن ص = 2 !

 

و الآن بعد معرفة قيمة ص أصبح من السهل معرفة قيمة جـ فتدور الدائرة التأويلية مرة أخرى لتحكم ناتج جـ

1) إجراء التساؤل : ما هي قيمة جـ ؟

2) إجراء التتبع : نتتبع نظير المعادلة (ص = 6 جـ) المحكم و هو النظير الناتج في الدائرة السابقة أن ص=2

3)  إجراء الإستنطاق : يشير التناظر السابق أن هنالك علاقة تفسيرية  حيث 6 جـ = ص أي يساوي 2

4) إجراء الترجمة بحل المعادلة نستنتج أن جـ = الثلث !

 

هنا تقف الدائرة التأويلية بعد أن نسخنا تشابه المعادلة و أحكمنا ناتج جـ

 

الطريقة التي استخدمناها في المرة السابقة جداً بدائية في الحل فللمتمرس أن يوجد الناتج بشكل أسرع عن طريق تعويض بعض المعادلات في بعض من خلال رد النظير إلى الآخر

على سبيل المثال

اذا عرفنا من خلال المعطيات أن ( س = 2ص ) و ( س + 1= 5 )  إذا بتعويض المعادلة رقم 2 في 1 من خلال النظير س يمكننا أن نقول أن 2ص + 1 = 5 أي يمكننا أن نقرأ تلك المعادلات المتناظرة بعضها ببعض و ليس لعاقل أن يقول أن ( س + 1 =5 ) لا تساوي ( 2ص + 1 = 5 ) فالمعادلة تغيرت طريقة قراءتها لتعطي تفصيل معين أو لتمثل وجه وسيط يسهل حل المعادلة لكن المعنى ثابت لم يتغير أبداً .

كان هذا مثال بسيط لمعادلات مترابطة وضعتها للتوضيح و هنالك معادلات أكثر تعقيداً في الفيزياء مثلاً تترابط بالطريقة ذاتها و نستطيع من خلالها إيجاد المجهول عن طريق الجمع بين المعادلات النظيرة ، فالآيات الكونية الأكثر تعقيداً تترابط أيضاً بهذه الروابط .

لاحظنا في المثال السابق أن نظم الآية الكونية يسير وفق هذه الدائرة



إذا فقواعد التأويل إضافة إلى أنها مستقاة من منهج أهل البيت ع الطاهرين وعلى كل قاعدة من القواعد مجموعة أدلة تعضدها و تؤكدها ، أضافة إلى ذلك فهي قواعد بديهية بحتة تشكل منطق العقل السليم و طريقة التفكير السديدة ، و هذا ما يفسر قول الإمام الرضا ع : من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم .

 

2) على مستوى الخطاب القرآني :

كذلك عند استعراض و استيضاح آيات الخطاب القرآني من خلال القواعد ذاتها و من خلال مصادقة القرآن بعضه ببعض نحصل على نتيجة محكمة أو عدة نتائج ووجوه محكمة كلها صحيحة ، لنضرب هذا المثال :

( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )

ما أريد معرفته على سبيل المثال هو :

من الذين أنعم الله عليهم ؟

من هم المغضوب عليهم ؟

 و من هم الضالين ؟

من خلال الإجراءات الأربعة التي شرحناها سابقًا يمكن الإجابة على السؤال الأول من خلال هذا النظير :

من الذين أنعم الله عليهم ؟

(ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا )

فيكون الجواب من خلال الآية السابقة هو : ( النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا )

و إذا تسائلنا من المغضوب عليهم يمكننا من خلال النظير (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم واعد لهم جهنم وساءت مصيرا )

أن نجيب بأن المغضوب عليهم : هم المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات الظانين بالله ظن السوء .

من هم الضالين ؟

يمكننا الإجابة من خلال النظير (إن الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم واولئك هم الضالون )

سنعرف من خلال هذا النظير أن الضالون هم الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً !

إذا ينتج لنا هذا البيان التفصيلي و التفسيري ليكشف عن وجه من وجوه الآية :

( اهدنا الصراط مستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا ، غير المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات و الظانين بالله ظن السوء و لا الذين كفروا من بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً ) !

و للآية وجوه ومعاني كثيرة لا متناهية وهو ما يمثل وجه الإعجاز في القرآن الكريم الذي يصدق بعضه بعضا فكما أن للذاكرة أن تحكم التجربة من خلال نظائرها المختزنة كذلك القرآن الكريم لينتج الشكل التالي الذي يمثل الإحاطة بالوجوه :
 
 

و إلى حلقة قادمة نتمنى أن نلقاكم على خير !

الجمعة، 8 أغسطس 2014

الدين الإسلامي ثورة العقول - الحلقة الثالثة


الدين الإسلامي ثورة العقول 3
محكمة العقل !
 
 
            يعاني مجتمعنا الإسلامي من داء عضال كان و ما زال يستفحل و ينتشر انتشاراً سرطانياً في جسد هذه الأمة ، فيزيده تهالكاً يوم بعد يوم ، ألا وهو محاكمة العقول ! ، نرى أن جميع أنواع المعارف سواء في مجال العلوم التجريبة أو العلوم الكلامية تخضع الفكرة إلى النقد و المناقشة و الرد بكل رقي ، لكن في المعارف الدينية الأمر مختلف تماماً ! و إذا تتبعنا التاريخ سنجد أن أصحاب الفكر التجديدي مطاردون محاربون بأبشع الوسائل و الطرق ، و ليتها كانت حروباً فكرية تناقش فيها الأفكار ، بل يتجاوز ذلك عبوراً إلى الطعن بالشخص نفسه و التشكيك بنواياه .

          و يا لشناعة المنظر و بؤس المشهد حين تجد شخصاً ينظر و يفلسف لقضية رمي الآخرين من ملته بالإنحراف ، نعم فالأمر أصبح له فنون و تطور عما كان عليه في الأمم السالفة البدائية في هذا المجال ، ترقى لطراز جديد يواكب ما نحن عليه من تطور و تخلف في الوقت ذاته ، ففنون المحاكمة العقلية باتت محكومة بأطر و أبعاد متدرجة  و أنواع ، و كل هذا بعيد عن مراد الله المتجلي في كتابه الكريم الداعي إلى الفهم و المناقشة و المحارب لأفعال الجاهلية المتمثلة بالسباب و الشتم و الاستهزاء و التكبر و إن وجدت مناقشة فهي محكومة بمعارفهم و قواعدهم الشخصية التي يجب أن يلتزم بها النبي أو حتى الوصي ! .

          و مع أن القرآن الكريم فصل في هذه المسألة أدق التفصيل و بين أكمل البيان إلا أن البعض يأبى إلا أن يقحم رأية في هذا الموضوع على الرغم تصريح رب العالمين في كتابه قائلاً ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) فالأعلم أحق يُسأل ! ، ولنا في نبي الله إبراهيم المتدبر خير مثال حين تفكر في ديانة من يعبد الشمس و القمر و الكواكب و و نقدها و فندها بما هو قطعي ! ، حتى النبي ص على الرغم مما وصل له من يقين إلا أنه كان يستعمل أسلوباً راقياً في الحوار ( وأنا او إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) فهذه الآية كفيلة بأن تكشف لنا رقي النبي ص في حواره بجعل الدليل هو الحاكم و هو ما جعل الكفار في موقف حرج فهم يفتقرون له ! .

           و لو تدبرنا ما نقرأه من آيات في صلاتنا لفهمنا الكثير من التفاصيل و توقفنا عن رمي الناس بالضلال و الإنحراف و انشغلنا بتقويم أنفسنا ابتداءً ، فالقرآن الكريم يضع قاعدة أساسية ننطلق منها لطلب الحق ابتداءً بإيجاد الصراط المستقيم وانتهاء بترك سبيل المغضوب عليهم و الضالين ( صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم و لا الضالين ) ما يشير إلى أن الصراط المستقيم هي منهجية معصومة تقوم الفهم و لنا أن نرجع إلى أهل البيت ع ليبينوا لنا هذه المنهجية الداعية إلى الصراط المستقيم ، فقد ورد عنهم ع : ( من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم ) فهذا المنهج و الأسلوب في التفكير القائم على عملية رد المتشابه إلى المحكم هي العملية المثلى التي تتحصل بها الهداية إلى صراط مستقيم و ما سواها سبل متفرقة ( وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) فلنتدبر بعض من قبسات الكتاب حول هذا الجانب :

          لنتدبر بعض من ذكرهم الله كنماذج للـ(المغضوب عليهم و الضالين ) كالآية الكريمة ( وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بانهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الانبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) نجدها تجرنا لمعرفة من اختار الصد عن سبيل الله و محاربة الحق فهم الذين يقدسون و يطيعون ما تشتهي أنفسهم و يصدون عن الحق الذي ينافي رغباتهم و أهواءهم ، حتى و إن أعلنوا إيمانهم إلا أنهم يحملون حسيكة النفاق (ويعذب المنافقين والمنافقات ... وغضب الله عليهم ولعنهم ) و الإيمان الكاذب الذي سرعان ما يظهر بتقلب الأحوال و الفتن فيتظاهر في فلتات لسان بني اسرائيل مثلاً حين عبروا عن رغبتهم لموسى ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) و سرعان ما تجلى شوقهم لموروثهم الذي ولدوا عليه  و فضحوا ما تخفيه سرائرهم برغبتهم بإله جديد غير الذي هلك - فرعون - عبارة عن صنم مادي ملموس يقدسونه و يعبدونه و يبدو أن السامري قد لمس هذا الحب و الشوق لذلك التقديس و حقق رغبتهم حين غاب موسى ع عنهم فصنع لهم عجلاً له خوار كما رغبوا هم و كانت النتيجة كما أراد السامري فعلاً ( قالوا سمعنا وعصينا واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يامركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ) والتعبير( أشربوا ) يدل على شدة حبهم وتعلقهم به فهو ما يرضي رغباتهم و أهواءهم و موروثهم و مكتسباتهم السابقة فكانت النتيجة هي ذاتها التي تتكرر مع كل قوم يبعث لهم نبي و هي أحد العقبات الكبرى التي تقف أمام الإنسان للإيمان و هي مكتسباته و موروثه الذي يولد عليه (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) ، و نرى آيات التوبيخ لهؤلاء كثيرة نذكر منها ( قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان ) فهذا الصنف المغضوب عليه علاوة على رفضه للتخلي عن موروثه الخاطئ الذي لم ينزل الله به من سلطان فهو يقيم أي دعوة جديدة وفق مقاييسه و أسسه هو لا كما يريد الله جل و علا ، و الأدهى و الأمر من ذلك هو نسبة هؤلاء أفعالهم إلى الله و ان ما يقومون به هو مراد الله منهم دون تدبر ولا تأمل تعالى الله عنهم علواً كبيرا ( وان منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) ، إذ لا حق إلا بآلة الحق التي تعبر عن مراد الله عزوجل  .

          كذلك من عبر عنهم الله في كتابه ( إن الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون ) فهم من آمنوا ثم كفروا من بعد إيمانهم لعدة أسباب يرجع أصلها إلى الفسوق و عدم طهارة النفس ( و ما يضل به إلا الفاسقين ) و هي الأرضية الخصبة لوساوس الشيطان ( ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيدا ) فيستغل بعض نقاط الضعف في النفس ليضل الإنسان عن ربه و عن دينه و الشواهد كثيرة في التاريخ ، نذكر منها بلعم بن باعوراء الذي تعلم من اسم الله الأعظم ، و حين أغري بالمال أراد أن يدعو به على حجة الله على عباده نبي الله موسى فدلع لسانه ، كذلك برصيصة العابد مستجاب الدعاء الذي جره الشيطان للزنى و كانت هي مفتاح ضلاله ! و لو كان محصناً من هذا الجانب لما جره الشيطان من خلال نقطة ضعفه هذه ، كذلك حب المال و السلطة و حب الذات و غيرها من الأمراض النفسية - المتكونة أيضاً من مكتسبات الإنسان و غرائزه - التي يتحرك الشيطان لتحفيزها و إظهارها لتكون دافعاً للضلال و الإضلال وهذا مصداق للآية الكريمة ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ) فظلموا أنفسهم بزيغهم ( وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ) .

          هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بزيغهم فعميت أبصارهم فأصبحوا لا يفقهون ! (أفرأيت من اتخذ الهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) لذلك حتى ولو كانوا يلوون ألسنتهم بالكتاب فلي الألسن يكون بغير علم و لا هدى و لا دراية إنما ابتغاء الفتنة و قلب الأمور لصالح إلههم الأوحد - الهوى - وينكشف هذا الأمر من خلال تأمل الآيتين المتناظرتين ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابغاء تأويله و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم ...) ، (لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الامور ) فيقلبون الخاص ليكون عاماً و يدفعون المحكم بالمتشابه ليحسبه الناس أنه مراد الله و ما هو بمراد الله !

         نستنتج من خلال العرض السابق و استنطاق آيات الكتاب بأن تكليف الإنسان هو معرفة نفسه و إصلاحها و السعي للصراط المستقيم بمعرفة المنهجية الضابطة الحقة اليقينية التي أراد الله من عباده سلوكها و بها يجتنب سبل المغضوب عليهم و الضالين و يحاججهم على بينة فيبهتهم كما بهت الذين كفروا من قبلهم .
و إلى حلقة قادمة نلتقي بكم على خير