الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014

فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين

بسم الله الرحمن الرحيم
 

 
تتعدد الأفكار بتعدد أنفاس الخلائق ، تختلف بعضها و تتفق أخرى و تتكامل بعضها مع بعض تارة و تتناقض أخرى ، منها الخبيث و منها الطيب و منها ما يجمع الاثنين معاً ! ، و لهذا جاءت دعوة الأنبياء لإصلاح هذا الاختلاف الفكري الذي نشب بين الأقوام السالفة و تنظيمه و تعريف الأقوام بالأسس السليمة التي يمكن من خلالها معالجة الفكرة و نقدها .
لم يغفل الدين الإسلامي عن هذا الأمر بطبيعة الحال فهو خاتم الأديان و المتمم لها ، فجاء برسالة متكاملة لتقوم سلوك الفرد و ترتقي بأخلاقه و عقليته ، حتى في دعوة غير المسلمين للدين الإسلامي فهنالك شروط و ضوابط تكون من خلالها الدعوة ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )[1]  ، لذلك نحن المنتسبين للإسلام أولى بهذه الآية من غيرنا و من يدعي تمثيل هذا الدين أولى المسلمين بتطبيق تلك الآية الكريمة !
للأسف الشديد هذه الثقافة القرآنية الأصيلة مفقودة في واقعنا الإسلامي الذي يعاني من انتكاسة و تقهقر في أخلاقيات الحوار و النقد سواء مع مختلف الأديان و التوجهات أو مع مختلف المذاهب و الفرق الإسلامية أو حتى مع أبناء المذهب الواحد ، فأصبحت حواراتنا لا تخلو من التسقيط و التسفيه و السخرية و الإهانة ، بحيث تعتمد حملة الرد أو مناقشة فكر الآخر من خلال طرح متدني وضيع يحاسب نتائج الطرف الآخر بناء على أساساته ومعارفه هو و يغض الطرف عن الأساس الذي بنا عليه الطرف المقابل اعتقاده ! مهلا ! أليس من الممكن أن يكون الأساس الذي بنى عليه الطرف الآخر متينا ؟ و يكون أساسك الموروث عن آباءك هو الهزيل ؟ أليس من الممكن أن الطرف الآخر يملك شيئا من الصواب فيساعده حوارك على تمام هذا الصواب ؟
حتى القرآن الكريم هذا الكتاب الذي لم يبق منه إلا رسمه يؤصل لهذه القاعدة فيقول ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار )[2]  لنلاحظ تقديم الله سبحانه وصف الأصل ( الأساس ) ثم الفرع ( النتيجة ) فإذا كان الأصل ثابت فالفرع في السماء هذه الشجرة التي تؤتي أكلها كل حين ، و إذا كانت الشجرة خبيثة فمصيرها أن تجتث من الأرض و لا يكون لها قرار ! لنلاحظ أن الله سبحانه اكتفى بالحديث اعن اصل الشجرة الخبيثة التي تجتث و لم يتحدث عن فرعها فلا قيمة للفرع دون الأصل ، ولنا أن نتخيل سفاهة منظر الرجل الذي يريد اقتلاع الشجرة فيبدأ بضرب ثمارها و إسقاطها بحجة أنه يريد اقتلاع هذه الشجرة ، ليس لنا أن نصف هذا الرجل إلا بوصف الأبله الذي يصرف وقته على ( لا شيء ) .
سأضع بين أيديكم مثالا من مئات الأمثلة لهذا الرجل الذي ذكرناه في فيما سبق ثم نأتي لنناقش الموضوع بشكل خاص حول منهج التأويل
هذا الرابط لأحد علماء الشيعة يتكلم عن مجموعة من عقائده و لنا أن نشاهد مدى السفه في واضع الفيديو الذي عنونه بعنوان (معمم شيعي يطلق صاروخ ينطح صاروخ !! ) وأرجو أن تعذرني أيها القارئ الكريم لكني أطلب منك قراءة بعض التعليقات التي بلغت أكثر 500 تعليق و تشاهد بنفسك المستوى المتدني في الطرح !
إن ما فعله من رفع هذا الفيديو هو أنه بدأ بمحاسبة النتائج و ترك أساس هذا المعتقد بينما من الواجب على صاحب الفيديو ليكون صادقاً مع نفسه و مع عقيدته و دينه يجب عليه أن يراجع أساس معتقد الشيعة في الخلافة و أدلتهم التاريخية عليها ثم يتطرق للعصمة ثم للكرامات و الغيبيات التي تحلى بها المعصوم وبناء على كل ذلك ينقض هذا المعتقد دون اسفاف و استهزاء !
انتقال العدوى :
وللأسف الشديد عدوى الفوضوية هذه انتقلت عندنا في الشارع الشيعي و أريد هنا أن أضرب مثلاً حول كتاب التأويل وردود الفعل عليه ...
صدرت الطبعة الأولى من كتاب التأويل منهج الإستنباط في الإسلام عام 1998 م وهذا الكتاب الذي يعرض منهج النبي ص وعلي ع والبيت النبوي وينصص على ذلك بالنصوص وتأثر به من قرأه متبنياً أحد جوانبه ، نجد القوم يقفون أمامه موقف الصمت ، فلا هم الذين تبنوه و تركوا منهجهم العقيم المستعار من أهل السنة و الذي لا ينتج إلا ظناً في الغالب ، ولا هم الذين ناقشوا الكتاب مناقشة علمية ليبينوا مواضع الخلل فيه ، بل نراهم في موقف العاجز عن التعبير أمام هذا المنهج  و الذي اختار التجاهل على المواجهة العلمية ! يحاول البعض أن يتعذر لهم بقوله أنهم مشغولون بما هو أهم أقول له و من قال لك يا عزيزي أن ما نطلب منهم ليس من أولوياتهم كعلماء ؟ ورسول الله يقول : إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله [3] ، فأين علمهم ؟
 
علماً أنه حتى يكون الرد على هذا الكتاب رداً علمياً يجب توفر الشروط التالية :
1- قراءة كتاب التأويل كاملاً .
2- مناقشة الكتاب الأول و هو القسم التاريخي الذي تحدث عن القرآن منذ بداية نزوله حتى وصوله إلى أيدينا بهذه الطريقة ، ونشأة مناهج الرأي و غياب منهج التأويل .
3- ثم بعد ذلك مناقشة الكتاب الثاني و هو الذي يؤصل منهج التأويل من التراث الإسلامي ( الكتاب و العترة ) ، وفي إطار اللغة و في إطار المنطق .
4- نقض قواعد التأويل المثبتة من روايات أهل البيت ع .
5- وبناء عليه يتم نقض التطبيقات لهذه القواعد .
لكن ما شاهدناه هو العكس تماماً ، مجرد سخرية و استهزاء و محاولة للتصيد حول النتائج ومن خلال وضع قصاصات من هنا و هناك لبتر الحقائق و التدليس على هذا المنهج دون التطرق لا إلى التاريخ و لا التأصيل الموجود في الكتاب للمنهج و لا القواعد ، نهائياً !
لنقل هؤلاء صبية مراهقين فكريا شغوفين بثقافة التحدي الكروية القائمة على ( الضغاط ) و الاستهزاء و لننظر للمعممين الذين - من المفترض - يمثلون واجهة هذا التوجه ورواده ....
هنالك مجموعة من الخطباء المنبريين تطرقوا لكتاب التأويل و لعل أولهم و أفضلهم - باعتبار أنه أحسن السيء فجميع ردودهم لا ترقى إلى مستوى الرد العلمي - هو السيد منير الخباز وهو ممن اضطر أن يتبنى جزء كبير من منهج التأويل تحت بند المعرفة التفسيرية القسم الثالث ( تفسير القرآن بالقرآن ) و جاء بمثال الشيخ المكتوب في الموقع و العجيب أنه قرأ الرواية مع تذييل الشيخ بعرض كل جزء منها على القرآن على طريقة نسخ و لصق ! ثم أخذ يتخبط يمينا و شمالاً في رده و اختصاراً أحيلكم لرابط الرد عليه :
و تحدث بعده بعض خطباء الجُمع و كان ردهم عبارة عن تسفيه ورمي بالضلال ولم يتطرق أحد لمناقشة المنهج !
الآخر هو الشيخ مرتضى فرج الذي تطرق للمنهج في أحد محاضراته و كانت أهم النقاط التي تناولها هي أن الكتاب فيه تبيان كل شيء بمعنى كل شيء يتعلق بالهداية لأن الله يقول فيه هدى المتقين ، و هنا نسأل الشيخ مرتضى فرج هل يرد المجمل للمفصل أو يرد المفصل للمجمل ؟
الآية (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين )[4] آية مجملة و الآية (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين )[5] آية مفصلة وحسب هذه الآية فإن القرآن
1- تبيان لكل شيء
2- هدى
3- رحمة
4- بشرى للمسلمين
فبأي دليل فسر الشيخ مرتضى فرج أن التبيان لكل شيء هو فقط في ما يتعلق بالهدى ؟ و بأي آلية وردت عن أهل البيت ع قام برد المفصل إلى المجمل ؟ أي برد المحكم للمتشابه و ليس العكس ؟
و يبدو أن الشيخ لم يلتفت إلى روايات أهل البيت التي تبين أن في القرآن كل شيء و نذكر له هنا أكثر من 40 رواية تبين أن القرآن مفصل و تبين معنى الآية ( تبيانا لكل شيء ) الذي فسرها الشيخ برأيه دون الرجوع للروايات .
ثم تكلم بأمر كشف عدم اطلاعه على الكتاب و عدم قراءته له مع انه استلم نسخة من الكتاب كما استلمها غيره من معممي الكويت وهو موضوع إذا تعطلت السيارة هل نرجع للقرآن الكريم لإصلاحها ، و طرح تحدي بأن نستخرج نظرية فيزيائية تبهر الغرب من القرآن الكريم !
و أقول له يا شيخ مرتضى هلا قرأت قبل أن تنتقد ؟
ألم تقرأ في كتاب التأويل فصلاً كاملاً حول استقراء الآيات الكونية و تفسيرها بعضها ببعض ؟ ألم تقرأ مثالاً علمياً حول ظاهرة الندى و التكثف ؟ و كيف استقرأ آية كونية بأخرى ؟ هل تعلم يا شيخ أن ما يقوم به الميكانيكي ما هو إلى رد آية كونية إلى أخرى تمكن من خلالها بالوصول إلى نتيجة محكمة ؟ هل تعلم يا شيخ أن الارتقاء بالعلوم الكونية وظهورك على شاشات الهواتف و الحواسيب ما هو إلى عملية استقراء لآيات كونية و أن العلوم ارتقت إلى اليقين بذلك في حين أنكم ما زلتم تراوحون بمكانكم  في دوامة الظن و الشك ؟
شيخنا العزيز لم تقفز من الأصول و الأساس إلى النتائج التي لا تؤمن بأصولها أصلاً أليس من المفروض أن تجتث الشجرة من جذورها فلم أصبحت تضرب الثمار لتسقط الشجرة ؟
أجيبك يا شيخ بأن نثبت العرش ثم ننقش ، اقرأ الكتاب و افهم المنهج و انقضه بالطريقة العلمية التي شرحتها أعلاه ثم تعال لنتناقش في الفروع و البطون ....
إليك يا شيخ هذا المقال لتفهم ما القصد من استقراء الآيات الكونية
سمعنا عذر لطالما تكرر سواء من الخطباء أنفسهم أو من أتباعهم أن هذا الطرح الذي طرحه الشيخ طرح منبري لم يتطرق به للتفاصيل بل اقتصر على بيان رؤوس الأقلام ، أقول و هذا عذر أقبح من الذنب نفسه فكيف تسمح أيها الخطيب أن ينحدر المنبر الحسيني إلى هذا المستوى ! ما هذا العذر السخيف ؟ إذا لم يكن باستطاعتك الرقي بمستمعيك ورواد مجلسك بالرقي بمحاضراتك فلا تعتلي المنبر و اتركه لأهله !
 
في الختام اوجه خطابي لجميع علماء الشيعة انتم بين خيارين اما ان تعلنوا تبنيكم لهذا المنهج الاستنطاقي المروي عن الامام علي(ع) او تتفضلوا بالرد عليه ردا علميا وتفندوه، وتنفى صلته بالامام علي (ع)، من باب: (هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين)!
 
فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين !!


[1] سورة النحل آية 125
[2] سورة ابراهيم آية 24 - 26
[3] الكافي ج1 ص54
[4] سورة البقرة آية 2
[5] سورة النحل آية 89
 

ليست هناك تعليقات: