الثلاثاء، 8 أبريل 2014

أزمة مجتمع..!


بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أئمة التأويل

محمد و آله الطاهرين
 

           احتوى التاريخ الإسلامي في حياة الرسول الكريم و حياة الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين على نماذج في غاية الغرابة إذا ما قيست على واقعنا ، مما يجعلنا نقف وقفة المذهول المستغرب، لنستعرض نموذج بسيط من تلك النماذج ، لعلي أستطيع إيصال المعلومة بشكل أكثر سلاسة ،شاب في مقتبل العمر كأسامة بن زيد يستلم قيادة جيش كامل في معركة مهمة بأمر من رسول الله صلوات الله عليه ! ، وهو في سن المرحلة الثانوية أو الجامعية في أحسن الأحوال إذا ما قسناه على مجتمعنا ! ، مما يعكس أنه كان للشاب في هذا السن قدرات عقلية تمهده لأن يكون قائداً لمن هم في عمر ( جده ) ، لكن إذا تابعنا تصرفات و تفكير هذه الفئة العمرية في مجتمعنا نجد أن السفه والتهور أو ما يطلق عليه (المراهقة) تغلب على شريحة كبيرة منهم !

          فما سبب تراجع هذه القدرات مع القفزة المعلوماتية الكبيرة التي يشهدها العالم وتوافر وسائل التعلم بشكل مبسط أكثر مما كانت عليه في ذلك الزمان؟

          أعتقد أن لهذا الأمر عدة مسببات منها:

          ١) ما تربى عليه في مجتمعه ، فهو يرى أن المكلف بحمل المسئولية هو من أنهى المرحلة الجامعية و ما دون ذلك فـ( بعده صغير وما كون نفسه).

          2) اعتاد الشاب في هذا المجتمع على أن يكون اتكالياً ، يتوفر له كل ما "يُراد" منه أن يتعلمه ، اعتاد على التعلم من خلال التلقين لا التفكير السليم والبحث عن ما يشبع قناعاته، بل يتلقن معارف قومه و يصقل قناعاته ضمن قالب المجتمع الذي تربى فيه غصباً .

          3) ينشأ الشاب على مقولة ( أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة ) وهذه المقولة تترجم واقعاً حين نلاحظ على بعض الآباء أو كبار السن امتعاضهم  إذا ما أبدا شاب رأيه أو خالفهم بلسان حال يقول ( بعد ما شاب راسي بيعلمني هالياهل ).

          فينشأ هذا الشاب ، منعدم الثقة بالنفس غير قادر على إدارة مسؤولياته ، لا يستطيع إعمال عقله في أتفه الأمور و يكتفي على التعلم من خلال التلقين عاجزاً عن انتزاع أبسط المعلومات من الكتب و غيرها من وسائل نقل المعلومة، تافه يتبع شهواته و ملذاته ، فبينما كان من بعمره قائداً لجيش بأكمله ، نجد هذا الشاب مجاهداً في ساحة الرذائل باحثاً عن من يسد شهوته في المجمعات التجارية ، متكلماً مفوها في مجالس البطالين ، تقوده عقده التي زُرعت في نفسه نتيجة لهذه التنشئة القاصرة السائدة في مجتمعنا لأن يكون ( ظغيطاً ) يسخر من كل شخص و يتفكه على كل موقف محاولاً بذلك إشباع عقدة الحقارة التي تربى عليها في مجتمعه و غُرست فيه لتبدأ بتحريك شخصيته فإذا عرفنا أن التكبر ( خطيئة إبليس ) هي قوله ( أنا خير منه )[1] نجد أن كل تصرف يصدر من هذا الشخص هو نتاج لهذا الإعتقاد ( أنا خير منه ) و لو بحثنا عن مصدر هذا الإعتقاد بتفضيل النفس على الغير و التي تتجسد " بالسخرية " فهي نابعة من نفس ذليلة فقد ورد عن الصادق (ع) : « ما من رجل تكبر أو تجبر إلا لذلة وجدها في نفسه »[2] .

           يكبر هذا الشاب المترف الإتكالي و المحتقر لذاته في نفس الوقت والذي هو صناعة لهذه التنشئة الفاشلة و يصبح بطبيعة الحال كآباءه (وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير الا قال مترفوها انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مقتدون)[3] متكبر لا يقبل مِن مَن هم في مقتبل العمل أي رأي مسفهاً له فكثيراً ما نستمع لمثل هذه الألفاظ ( قريتلك كلمتين صرت أبو العريف وبتعلمني ؟ ) ( ألحين انت ولد أمس - كناية عن صغر السن - بتعلمني ؟ ) وهكذا من الألفاظ التي نشأ و ترعرع عليها ليتحول من ضحية مجتمع إلى مجرم إرهابي فكرياً متقمصاً دور آباءه ليفرغ ما تمليه نفسه المريضة باحتقار الذات على أبناءه فيتناقل هذا الأسلوب جيلاً بعد جيل ويزداد سوءً في كل جيل إلا من رحم ربي.


          يصبح الشباب بذلك في هذا المجتمع عبارة عن قنبلة موقوتة سريعة الإنفجار ، فهؤلاء الهمج الرعاع الذين ينعقون وراء كل ناعق مستعدون لخوض غمار كل فتنة ليكون لهم دور البطولة في صناعة أحداثها وهذا ما يتعارض بطبيعة الحال مع الحكمة التي كان ينادي بها أمير المؤمنين « كن في الفتنة كإبن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب »[4] فلا يتسلق الإنتهازيين على كتفيه بجهله وانصياعه لهم بعد أن اعتاد على التلقين ، ولا يكون ضرعاً للمنافقين فيحلب ويترك بعد انقضاء الحاجة منه وانتفاء المنفعة ، هذا المنهج الوسطي الذي اختاره الإمام علي ع لنفسه كما أراد الله ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا... )[5] لا يصدر إلى عن من نشأ و تعلم و زكى نفسه و هو بعيد كل البعد عن من اعتاد على التلقين ، فأنى له أن يتحرى الحكمة و قد شب وشاب على تلقي المعلومات المعلبة الجاهزة والتي غالباً ما تكون ملوثة.


          إذا ما لمسنا هذا الخلل وتتبعنا مصدر المشكلة نجد أن هذه المشاكل لها حلول في كتاب الله بل و كانت هذه  الحلول منهج الأنبياء في إصلاح مجتمعاتهم الهمجية التي تخلو من الحكمة ، فكان دور النبي يتمثل في قوله تعال : (
هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين )[6] فكان دور النبي تزكية تلك الأنفس بتعليمه للكتاب ليكون منهجاً لحياة هذا المجتمع و دستوراً له و بالتالي تتحصل الحكمة في ذلك .

          فلو تأملنا في آيات الكتاب لوجدنا أن الدواء الشافي من علة الذل هو تزكية العلم و العمل (...ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين... )[7] فالمؤمنين ذكر الله صفاتهم في القرآن فقال (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات... )[8] و قال عز من قائل (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله واولئك هم أولوا الألباب )[9] و نعرف من الذين هداهم الله من خلال الآية ( ...فهدى الله الذين آمنوا... )[10] ، فيخرجهم الهدى من ظلمات السفه و المفاضلة على أسس مادية إلى نور الإيمان و المفاضلة على أساس التقوى ( ولا تقوى دون علم و معرفة ) فلا جاهل متنسك و لا عالم متهتك (إن اكرمكم عند الله اتقاكم)[11] إذا فقه الإنسان ذلك سيتبع ما أمره الله في قوله (يا ايها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون )[12] تاركاً حالة الفسوق التي كان يعيشها بتنابزه بالألقاب و سخريته متجهاً للتعلم ممن هو أعلم منه بكتاب الله معلماً من هو أدنى منه معرفةً وأقل علماً .

           فهذا نموذج مقتضب لبعض تعاليم القرآن التي تخرج الإنسان من قفص إرثه الذي طغى عليه طابع الذل إلى عزة الله بالبحث و اتباع الحق ( أحسن القول ) و لمن يريد التفصيل فليبحر بحثاً في كتاب الله ففيه تفصيل على علم و تبيان لكل شيء  .

          و بعد أن عرفنا سر القدرات الذهنية المتفوقة عند أسامة بن زيد كنموذج ، أصبح ذلك الأمر غير مستغرب بتاتاً ، بل الغريب هو حالة الضياع الذي يعيشه المجتمع مما يعكس مدى إهمال المجتمع لمراد الله فلم يبق من الدين إلا أسمه و أفعال ظاهرية تسمى عبادة و هي واقعاً عادة ، لا تنهى عن فحشاء و لا منكر ، و لم يبق من القرآن إلى رسمه و حلاوة نقش حروفه و زينة غلافه ، فنرى في بصائرنا رسول الله صلوات الله عليه ينظر نظرة أسى لما آل إليه حال الأمة منادياً ( يا رب ان قومي اتخذوا هذا القران مهجورا )[13] ، فساعد الله قلبك يا رسول الله .



[1] سورة الأعراف :12
[2] الكافي للكليني ج 2 ص 312
[3] الزخرف :23
[4] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٤ - الصفحة ٣
[5] سورة البقرة : 143
[6] سورة الجمعة : 2
[7] سورة المنافقون : 8
[8] سورة البقرة : 25
[9] سورة الزمر : 18
[10] سورة البقرة : 213
[11] سورة الحجرات : 13
[12] سورة الحجرات : 11
[13] سورة الفرقان : 30