الاثنين، 21 يونيو 2010

المحور الثاني : هل هي فعلاً الحل ؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على محمد و آله الطيبين الطاهرين

قبل أن أدخل في المحور الثاني من بحثي أفضل أن أضع لكم تعريف موجز عن العلمانية حتى يسهل فهم المحور الثاني ، فالمحور الأول لم يكن يحتاج لشرح معنى العلمانية لأنه يناقش رأي فقط ، أما المحور الثاني فسيكون بإذن الله أكثر غزارة .

الكثير منا يعرف العلمانية على أنها فصل الدين عن الدولة فقط وهذا ما يتفق عليه جميع العلمانيين و الذي انطلقت منه بعض الشعارات كـ"الدين لله و الوطن للجميع" وغيرها و لكن العلمانية لها مفهومين ، و هنا أقصد المتبعين للمنهجية العلمانية ينقسمون إلى قسمين:

1) العلمانية الشاملة : فصل الدين عن الحياة و من ضمنها الحياة الشخصية ، و حسب اعتقادي الشخصي أن هذا النوع هو الذي نتج عنه " اللادين" أو "الإلحاد".
2) العلمانية بمفهومها الضيق (العلمانية الجزئية): فهي فصل الدين فقط عن سياسة الدولة.

كما مرت العلمانية الشاملة منذ بدايتها بالمراحل التالية:

مرحلة التحديث :
اتسمت هذه المرحلة بسيطرة الفكر النفعي على جوانب الحياة بصورة عامة، فلقد كانت الزيادة المطردة من الإنتاج هي الهدف النهائي من الوجود في الكون، ولذلك ظهرت الدولة القومية العلمانية في الداخل والاستعمار الأوروبي في الخارج لضمان تحقيق هذه الزيادة الإنتاجية. واستندت هذه المرحلة إلى رؤية فلسفية تؤمن بشكل مطلق بالمادية وتتبنى العلم والتكنولوجيا المنفصلين عن القيمة، وانعكس ذلك على توليد نظريات أخلاقيّة ومادية تدعو بشكل ما لتنميط الحياة، وتآكل المؤسسات الوسيطة مثل الأسرة.

مرحلة الحداثة:
هي مرحلة انتقالية قصيرة استمرت فيها سيادة الفكر النفعي مع تزايد وتعمق آثاره على كافة أصعدة الحياة، فلقد واجهت الدولة القومية تحديات بظهور النزعات العرقية، وكذلك أصبحت حركيات السوق (الخالية من القيم) تهدد سيادة الدولة القومية، واستبدل الاستعمار العسكري بأشكال أخرى من الاستعمار السياسي والاقتصادي والثقافي، واتجه السلوك العام نحو الاستهلاكية الشرهة.

مرحلة ما بعد الحداثة :
في هذه المرحلة أصبح الاستهلاك هو الهدف النهائي من الوجود ومحركه اللذة الخاصة، واتسعت معدلات العولمة لتتضخم مؤسسات الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية الدولية وتتحول القضايا العالمية من الاستعمار والتحرّر إلى قضايا البيئة والإيدز وثورة المعلومات، وتضعف المؤسسات الاجتماعية الوسيطة مثل الأسرة، لتحل محلها تعريفات جديدة للأسرة مثل رجلان وأطفال أو امرأة وطفل أو امرأتان وأطفال، كل ذلك مستنداً على خلفية من غياب الثوابت والمعايير الحاكمة لأخلاقيات المجتمع والتطور التكنولوجي الذي يتيح بدائل لم تكن موجودة من قبل في مجال الهندسة الوراثية.
المصدر

و الآن سأبدأ بتناول المحور الثاني : هل العلمانية فعلاً هي الحل ؟؟


من الشعارات المنتشرة أيضاً في المدونات العلمانية هو هذا الشعار :

أحببت تعريف الدكتور الراحل عبد الوهاب المسيري للعلمانية وهو كما يقول : العلمانية هي فصل مجمل حياة الإنسان عن جميع القيم الإنسانية ، و الأخلاقية و الدينية بحيث يتحول العالم إلى مادة استعمالية يوظفها القوي لحسابه .

أقول لا فض فوك يا دكتور على هذا التعريف و لمعرفة مصداقية هذا التعريف لننظر إلى تاريخ الدول العلمانية منذ نشأة العلمانية و حتى وقتنا الحاظر ، فلا أحد ينكر أن الإستعمار كان تحت قيادة الدول العلمانية كفرنسا مثلاً و أن هذا الإستعمار ساهم في إبادة الكثيرين ، فأين القيم و الأخلاقيات في استعمار الدول ؟ ، حتى ما يحدث الآن لمحاربة الحجاب وقمع للحريات بإسم الحرية في نفس تلك الدول التي بدأت بالإستعمار ، فالصور و الشواهد تملاً الشبكة العنكبوتية في محاولات فرنسا مثلاً لمنع الحجاب بل و يجب على الطالبات خلع الحجاب قبل الدخول للحرم الجامعي ، كل هذا لأن النظام العلماني يهمش الدين و يجعله فقط في حدود المسجد و المنزل و إذا كان الدين يحث على الحجاب أو مجرد إعتقاد شخصي يحث على النقاب و القانون الذي صدر من الدولة العلمانية يمنع ارتداء الحجاب و النقاب فيكون لسان حال تلك الدولة التي وضعت هذا القانون "طز فيك انت و معتقدك الشخصي ما دام ذلك المعتقد لا يوافق رغبة الدولة العلمانية" ! للأسف حتى بعض المدونات التي تتكلم باسم الحرية تصف المنقبات بالقذارة و أخرى بالحشرات و أخرى تصف الحجاب بالسجن و"الزبالة" أجلكم الله ، رغم إعتقادي الشخصي بأن النقاب ليس فرض ديني لكن من المعيب وصفه بالقذارة خصوصاً إذا كان نفس الشخص ينادي بالحريات الغير محدودة ، و في نفس الوقت نجد هؤلاء من يصفون المرأة السافرة و من ترتدي زي يخدش الحياء ( على الأقل بالنسبة لي ) بالمتحضرة و المتحررة من القيود و العصرية المنفتحه ، و في المقابل يتهمون الدين الإسلامي بأنه يكبت حرية المرأة و يسجنها ، و أننا ننظر للمرأة كجسد ، أقول : من فينا ينظر للمرأة كجسد ؟ ، المقارنة جداً واضحة وفيها الإجابة على سؤالي ، ولدي سؤال آخر أيضاً في نفس الموضوع ، ماذا نريد من المرأة بالتحديد عقلها و عملها أم منظرها و شعرها و جسدها ؟ .

ما ذكرته في الفقرة السابقة مجرد مثال على أن الدولة العلمانية ليست مجرد فصل الدين عن الدولة ، إنما هي فصل الإنسان عن القيم و المبادئ و الأخلاقيات ، فطالما كان الإنسان منتجاً أو بمعنى أفضل ما دامت تلك المادة الإسعمالية متوفرة فـ"مالنا شغل بتأثيره بالمجتمع أخلاقياً و سلوكياً " ، فحتى في كبرى الدول العلمانية من يريد أن ينتمي لتلك الدول عليه أن يرمي هويته الدينية و قيمه و ثوابته في المنزل ، فبالتالي نجد أن الحياة العامة و المجتمع و سلوكياته يسيطر عليها السوق (الذي سبق و ذكرناه في تعريف الحداثة) و يسيطر عليها مؤسسات خالية من القيم الإنسانية، فلا يمكن للإنسان يعيش ضمن هويته الخاصة في مجتمعه ، و ذكر الدكتور عبد الوهاب المسيري مثالاً جميلاً عن التلفزيون (الإعلام) الأمريكي المعادي للفطرة الإنسانية بل يخلو من أي قيم و مبادئ.

فالدولة العلمانية تصدر أحكامها و تشريعاتها و فقاً للمعايير و المقاييس المادية التي كما ذكرت بعيدة عن القيم الإنسانية و لا ننسى أن هذه المعايير أخرجت لنا في يوم من الأيام دولة تقتل المعاقين و المسنين لأنهم بنظر تلك الدولة غير منتجين في المجتمع و لأنهم عالة على المجتمع كما يعتبروهم و هي الدولة النازية ، و هنا أنا لا أقول أن الدولة النازية هي دولة علمانية كما ينظر للدولة العلمانية في الوقت الحالي لكن سياستها في التشريع وفق المعايير المادية هي العلمانية بعينها ، وهو ما قصده الدكتور بتحويل الإنسان إلى مادة استعمالية يوظفها القوي لحسابه.

فالخلاصة هنا أردت القول بأن الأمور لا تحل كما يقول المثل الكويتي " يا كله يا خله" أي أن الأمور لا تحل بالتزمت و التشدد الديني الذي يأتي بأحكام خارجة عن الدين أصلاً نتيجه لهذا التزمت ، ولا يأتي بإصدار قوانين تدعو للتحرر من القيم و من الهوية و من الأخلاقيات و بناء على ذلك يصدر تشريعات وفقاً لمعايير مادية تعتدي على الإنسان و على حرية الإنسان و على الأديان التي يدعي النظام العلماني حمايتها.


يتبع ،،،




هناك 8 تعليقات:

Haydar Al.Maateeq يقول...

متــــــــــابع !!

واصل ...
وأحسنت على هذا الطرح

Yousef يقول...

حياك الله و بياك :)

ومشكور على تعقيبك الأنيق :)

غير معرف يقول...

بصراحة

آلمتني الفقرة التي تحدثت بها عن نظرتهم للحجاب والنقاب

ينظرون إلى الحجاب على أنه زبالة!!

عجبا لهؤلاء البشر!!


يقول السيد صادق الشيرازي -دام ظله- في الحجاب: فرض الإسلام الحجاب للمرأة ، لتقل الموبقات ، وتشتد علاقة الرجل بزوجته والزوجة بزوجها، فتهدأ العائلة، وترقد في جو هانئ، مفعم بالحب والوداد، والوفاق والوئام.


ويقول أيضا: لم يحرم الإسلام على المرأة علما ولا عملا ، بل فرض عليها العلم والعمل، وحبذهما لها أحيانا أخرى، وإنما حرم عليها التبذل والميوعة، والتبرج والخلاعة، كما حرم عليها أن تقوم بأعمال تنافي عفتها وشأنها.


من وجهة نظري أن كلام السيد صحيح مئة بالمئة، حيث أن ترك الحجاب والتبرج والميوعة هو سبب دمار حياتنا..


وليتهم يعلمون أن الإسلام لا يمنع المرأة من مواصلة دراستها وعملها ولكن بحجابها المحترم وعفتها وحشمتها..

للأسف هم ينظرون إلى الحجاب على أنه يشكل عائق كبير للنجاح والوصول للمراتب العليا..

لكن على قلوب أقفالها أخي حسيني الهوى

عذرا على الإطالة :)

وفقك الله دائما

Yousef يقول...

غير معرف/ة

للأسف فهذا واقع عند الكثيرين من العلمانيين و بمجرد إطلاع على مدوناتهم ستجد\ين العجب !!

وهذا نموذج بسيط
http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=15372&cid=47
و هو مقال للدكتور العلماني احمد الصراف

و بمجرد البحث بالمدونات العلمانية سنجد الكثير الكثير ...

أذكر في مدونة شفتها قبل سنة كان اسمها "الحجاب النقاب و قذارات أخرى "
hegabs-nekabs.blogspot.com

بس مسوين لها بلوك ألحين ما تطلع عندي.

و حفظ الله السيد صادق الشيرازي و أدام ظله.

و شكراً على المرور الجميل

معبرة يقول...

مع كل هذه الأدلة على فساد ذلك الفكر العلماني و تناقضاته بين شعاراته و ما يقوم به بالفعل ، إلا أننا نجد أنه روج لنفسه بشكل كبير ، سواء عبر وسائل الإعلام ، أو الاقتصاد أو السياسة... و مع شيوع الجهل بالدين يمكننا أن نستشعر حاليا ذلك التقبل الواسع للفكر أو التوجه العلماني حتى من قبل اللذين لا يعرفون هذا المصطلح ، و مازالت موجاته الكبيرة الساحقة تكتسح المجتمعات و تحاول أن تجردها من قيمها و تلزمها بذلك التوجه المادي البحت باسم الحرية !!
شكرا لك على وضوح الطرح و أتمنى أن تكون مواضيعك من هذا النوع دائما مدعمة بالأمثلة و الأدلة حتى يسهل فهمها و الاقتناع بها .

Yousef يقول...

فعلاً فأغلب التوجهات العلمانية التي تضرب الإسلاميين تلعب على وتر فتاوى منحرفة من رجال الدين أو من الفهم الخاطئ لآيات القرآن الكريم و غيرها و الإستدلال بها فإن الجهل بالدين في الوقت الحالي هو أكبر سبب بل هو ما يساهم في الترويج للعلمانية ، بوضع صبغة العقلانية على ذلك الفكر...



شكراً جزيلاً على التعقيب الجميل

Ahmed.K.A يقول...

" وهو ما قصده الدكتور بتحويل الإنسان إلى مادة استعمالية يوظفها القوي لحسابه" ..

كلمة جميلة ..

و سلسلة مباركة بصراحة . .

افتخر بوجود شخص مثلك في ربوع مؤسسة الرضوان و بالكويت .. فنحن في امس الحاجة إلى هكذا عقليات و وعي ..

دمت بخير

Yousef يقول...

العزيز Ahmed.K.A

مشكور على متابعتك و مرورك الجميل، و الإطراء اللطيف :)

حبيب يا بو شهاب :)